[ الأربعون النووية ]
عن أم المؤمنين أم عبد الله عـائـشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله : { من أحدث في أمرنا هـذا مـا لـيـس مـنه فهـو رد }.
[رواه الـبـخـاري:2697، ومسلم:1718 ].
وفي رواية لمسلم : { مـن عـمـل عـمـلاً لـيـس عـلـيه أمـرنا فهـو رد }
شرح الحديث
اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الدين خاتم الأديان ، وآخر الشرائع ، ليتخذه الناس منهاجا لهم ، وسبيلا إلى ربهم ، ومن هنا جاءت تعاليمه شاملة لجوانب الحياة المختلفة ، فلم تترك خيرا إلا دلت البشريّة عليه ، ولا شرا إلا حذّرت منه ، حتى كملت الرسالة بموت نبينا صلى الله عليه وسلم ، يقول الله تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } ( المائدة : 3 ) .
وبتمام هذا الدين ، لم يعد هناك مجال للزيادة فيه ، أو إحداث شيء في أحكامه ؛ لأن الشارع قد وضّح معالم الدين ، وجعل لأداء العبادات طرقا خاصة في هيئتها وعددها ، وفي زمانها ومكانها ، ثم أمر المكلّف بالتزام هذه الكيفيات وعدم تعدّيها ، وجعل الخير كل الخير في لزوم تلك الحدود والتقيد بتلك الأوامر ، حتى تكون العبادة على الوجه الذي يرتضيه الله سبحانه وتعالى .
إن كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لم يتركا سبيلا لقول قائل أو تشريع مشرّع، ومن رام غير ذلك ، وزعم قدرته على الإتيان بما هو خير من هدى الوحيين مما استحسنه عقله ، وأُعجب له فكره ، فهو مردود عليه .
هذه هي القضية التي تناولها الحديث ، وأراد أن يسلط الضوء عليها ، فكان بمثابة المقياس الذي يُعرف به المقبول من الأعمال والمردود منها ، مما جعل كثيرا من العلماء يولون هذا الحديث اهتماماً ودراسةً ، ويعدّونه أصلا من أصول الإسلام .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه ) ، إنه النهي عن كل طريقة مخترعة في الدين ، والتحذير من إدخال شيء ليس فيه من الأمور العباديّة ؛ ولذلك قال هنا : ( في أمرنا ) ، فأمر الله : هو وحيه وشرعه ، كما قال الله تعالى : { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا } ( الشورى : 52 ) .
وعليه : فإن كل عبادة لا بد أن تكون محكومة بالشرع ، منقادة لأمره ، وما سوى ذلك فإنه مردود على صاحبه ، ولو كان في نظره حسنا ، إذ العبرة في قبول العمل عند الله أن يكون صواباً موافقاً لأمره ، وهذا الاعتبار يدلّ عليه قول الله تعالى : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } ( الكهف : 110 ) ، يقول الفضيل بن عياض : " إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا ، ولا يقبله إذا كان خالصا له إلا على السنة " .
وفي ضوء ذلك ، فليس أمام المكلّف سوى أحد طريقين لا ثالث لهما : طريق الوحي والشرع ، وطريق الضلال والهوى .
إن من ضلّ وابتدع ، وأدخل في دين الله ما ليس منه ، هو في حقيقته قادح في كمال هذا الدين وتمامه ، لأن مقتضى الزيادة في الدين الاستدراك على ما حوته الشريعة ، فكأنه جاء بفعله هذا ليكمل الدين .
ومن ناحية أخرى فإن من أتى ببدعة محدثة لم يحقّق شهادة أن محمدا رسول الله – والتي تقتضي اتباع سنته وعدم الحيدة عنها - ، كما قال تعالى : { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } ( الأنعام :153 ) .
وثمّة ملمح مهم في قوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ) ، وهو أن البدعة هي ما كانت في العبادات ، بخلاف ما أُحدث في حياة الناس من أمور الدنيا كالصناعات والمخترعات ، وتدوين الكتب وإصلاح الطرق ، وما أشبه ذلك من أمور الدنيا ، فهي وإن كانت " محدثة " من ناحية اللغة ، ولكنها لا تدخل في الإحداث المذموم ، بدلالة القيد المذكور في نص الحديث : ( أمرنا ) .
كذلك في قوله : ( ما ليس منه ) إيماء إلى أن الإحداث المنهيّ عنه هو ما كان خارجا عن الهدي والسنة ، بخلاف ما ظنّه الناس بدعة مذمومة بينما هو سنّة مهجورة ، - وهذا يحدث كثيرا لاسيما مع وجود الجهل بين الناس وغربة الدين - ، وهذا يدعونا إلى عدم التسرّع في إطلاق الحكم على العبادات حتى نتأكّد من عدم ورود الدليل المعتبر على فعلها .
وختاما : فسبيل الله واحد ، واضح المعالم ، كالمشكاة المنيرة ، إذا اقتربت منها أحدٌ أنارت له السبيل ، وتبيّنت له معالم الطريق ، وإن ابتعد عنها تخبّط في ظلمات الجهل ، وتردّى في دركات الهوى ، فما على المسلم إلا أن يتعلّم الدين ويتقيّد بتعاليمه إن أراد النجاح والفلاح .