عنِ ابنِ عمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،عنْ رسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،أنَّهُ أدْرَكَ عمَرَ بنَ الخَطَّاب في ركب، وعُمَرُ يحْلِفُ بأبِيه، فنَاداهمْ رسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ألا إنَّ اللَّهَ ينْهَاكمْ أنْ تحْلِفُوا بآبائكُمْ، فمَنْ كانَ حالفاً، فلْيَحْلِفْ باللَّه، أوْ ليَصْمُتْ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعاً: ((لا تحْلِفُوا بآبائكُمْ، ولا بأُمَّهَاتكُمْ، ولا بالأنْدَاد، ولا تحْلِفُوا إلا باللَّه، ولا تحْلِفُوا باللَّهِ إلا وأَنْتُمْ صادقُون)).
*درجةُ الحديثِ:
رِوايةُ أبي دَاودَ والنَّسَائِيِّ عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرَها ابنُ حَجَرٍ في (الفَتْحِ) في زِياداتِ البابِ؛ فهي صحيحة، أو حسَنَةٌ ٌَعلى قاعدتِه التي نَصَّ عليها في مقدِّمةِ الفتحِ
*مُفْرَداتُ الحديثِ:
- الأنْداد: جمْع ندٍّ، بكسر النون، وهو مثل الشيء الذي يضاده في أمُوره، وينَاده؛ أي: يخالفُه، ويراد به هنا الأصنام التي يتَّخِذُونهَا آلهَةً من دون اللَّه.
*ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- اليمين َهي القسَمُ بألفاظ مخْصُوصةٍ لتأكيد الحكْمِ المحلوف عليه بذكرِ معَظَّمٍ على وجه مخصوص، َوالحالِفُ إذا أَرَادَ تأكيدَ أَمْرٍ مِن الأمورِ نَفْياً أو إِثْباتاً، أَكَّدَه بالحَلِفِ بأَعْظَمِ ما عِندَه مِن مُعَظَّمٍ، فمازَالَ الناسُ منذُ أَقْدَمِ الأزمانِ يَعْتَقِدُونَ أنَّ المحلوفَ به له تَسَلُّطٌ على الحالِفِ يَقْدِرُ على نَفْعِه وضَرِّه بالأسبابِ الطبيعيَّةِ، وبما فوقَ الأسبابِ الطبيعيَّةِ، فإذا أَوْفَى الحالِفُ بما حَلَفَ يَرْضَى المحلوفُ به ويَنْفَعُه، وإنْ لم يَرْضَ يَضُرَّه، ومِن هذا صارَ الحَلِفُ بغيرِ اللَّهِ تعالى أو بغيرِ صفاتِه شِركاً باللَّهِ تعالى.
2- وفي الحديث وجوب الحلف باللَّهِ تعالى لمن أراد اليمينََََُُُِِِ.
فقد قالَ ابنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لأَنْ أَحْلِفَ باللَّهِ كاذِباً أَحَبُّ إِلَيَّ مِن أنْ أَحْلِفَ بغيرِه صادِقاً.
قالَ شيخُ الإسلامِ: لأنَّ حَسَنَةَ التوحيدِأعظمُ مِن حَسَنَةِ الصدقِ، وسيِّئةَ الكَذِبِ أسهلُ مِن سيِّئةِ الشِّرْكِ؛ قالَ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء: 48].
وقالَ المَاوَرْدِيُّ: لا يَجُوزُ لأحدٍ أنْ يَحْلِفَ بغيرِ اللَّهِ تعالى، لا بِطلاقٍ، ولا عَتاقٍ، ولا نَذْرٍ.
والأحاديثُ واضحةٌ في الدَّلالةِ على التحريمِ.
ومنها ما أَخْرَجَهُ أبو دَاوُدَ)،والحاكِمُ () من حديث ابن عمر، أن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((منْ حلَفَ بغَيْرِ اللَّه فقَدْ كفَرَ)).
3- ويَحْرُمُ الحلِفُ بالبراءة من الإسلام، أو من الدين، أو هو يهُوديٌّ، أو نصْرَانيٌّ،َ ونحوِه؛ لِمَا أَخْرَجَهُ أبو دَاوُدَ
) والنَّسَائِيُّ ) بإسنادٍ على شرطِ مُسْلِمٍ، من حديثِ بُرَيْدَةَ، أنَّ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((منْ حلَفَ فقَالَ: إنِّي برِيء منَ الإسْلامِ، فإِنْ كانَ كاذباً فهُوَ كمَا قال، وإِنْ كانَ صادقاً فلَنْ يرْجِعَ إلَى الإسلامِ سالماً)).
4- وإِذَا كانَ الحلِفُ بالآباء منهيا عنه ومحرماً، فالحلِفُ بالأندادَ، وهي الأصنامُ، أشدُّ تحريماً، وأعظمُ عُقُوبَةً.
5- وفي الحديثِ: النهي عن الحلِفِ باللَّهِ تعالى كاذباً؛ فإنَّه اليَمينُ الغَمُوسُ التي تَغْمِسُ صاحِبَها في نارِ جَهَنَّمَ، فقد جاء في (صحيح الْبُخَارِيِّ) ) أن أعرابيًّا قالَ: يا رسول اللَّه، ما الكبائرُ؟ فذكَرَ أشياء، وقالَ: ((واليمِين الغَمُوس)).