وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: ((فَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ)). وَفِي رِوَايَةٍ لأَبِي دَاوُدَ: ((فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ)). وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ. *درجةُ الحديثِ: رِوايةُأبي دَاوُدَ إسنادُها صحيحٌ، كما قالَ المؤلِّفُ.
*ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- الحَلِفُ على أمرٍ مستقبَلٍ يُرِيدُ الحالِفُ تحقيقَ فعلِه أو تَرْكَهُ، لا يَخْلُو من أمورٍ:
فإنْ حَلَفَ على فعلٍ واجبٍ، أو حَلَفَ على تَرْكِ محرَّمٍ، حَرُمَ حِنْثُه، ووَجَبَ بِرُّه بقَسَمِه.
وأمَّا إنْ حَلَفَ على فِعْلِ مُحَرَّمٍ، أو تَرْكِ واجبٍ، وَجَبَ حِنْثُه، وحَرُمَ بِرُّه.
2- وأمَّا إنْ حَلَفَ على فِعْلِ مندوبٍ، أو تَرْكِ مكروهٍ، فهنا يُكْرَهُ حِنْثُه؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ على بِرِّه مِن الثوابِ الحاصلِ بفعلِ المندوبِ وتَرْكِ المكروهِ.
وأمَّا إنْ حَلَفَ على فِعْلِ مكروهٍ، أو تَرْكِ مَنْدُوبٍ، فهذا هو ما أَشَارَ إليه حديثُ البابِ مِن أنَّ المُسْتَحَبَّ أنْ يَحْنَثَ، فيَتْرُكَ المكروهَ أو يَفْعَلَ المَنْدُوبَ، ويُكَفِّرَ عن يَمِينِه، وهذا هو معنَى قولِه: ((وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ)).
3-
ويُشْتَرَطُ لوجوبِ الكفَّارةِ إذَا حَلَفَ باللَّهِ ثلاثةُ شروطٍ:
الأوَّلُ: أنْ يَقْصِدَ الحالِفُ عَقْدَهَا على أمرٍ مُسْتَقْبَلٍ مُمْكِنٍ، فإنْ حَلَفَ على أمرٍ ماضٍ كاذِباً فهي اليَمينُ الغَمُوسُ.
وإنْ كانَتْ مِمَّا يَجْرِي على لِسانِه بغيرِ قَصْدٍ،ولو في الزمنِ المستقبَلِ، فلَغْوُ اليَمينِ، ولا كَفَّارَةَ فيه؛ للآيةِ.
الثانِي: أنْ يَحْلِفَ مُخْتاراً لليَمينِ، فإنْ حَلَفَ مُكْرَهاً، لم تَنْعَقِدْ يَمِينُه.
الثالثُ: أنْ يَحْنَثَ في يَمِينِه بأنْ يَفْعَلَ ما حَلَفَ على تَرْكِهِ، أو يَتْرُكَ ما حَلَفَ على فِعْلِه، مُخْتَاراً، ذاكِراً ليَمِينِه، حَنِثَ، وعليه الكفَّارَةُ.
أَجْمَعُوا على أنَّ اليمينَ المُعْتَمَدَةَ المُنْعَقِدَةَ هو أنْ يَحْلِفَ باللَّهِ تعالى على أمرٍ في المستقبَلِ أنْ يَفْعَلَه، أو لا يَفْعَلَه، وإذا حَنِثَ وَجَبَتْ عليه الكفَّارةُ؛ لأنَّ العَقْدَ إنما يكونُ في المستقبَلِ دونَ الماضِي.
قالَ تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89].